حوار مع الكاتبة و الفيلسوفة رزيقة عدناني : سوريا تتحول إلى أفغنستان أخرى و الجولاني لم يغير سوى طريقة ملبسه



© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

أجرى الحوار الصحفية أمينة زكي لجريدة الدستور المصرية

كيف ترين ما حدث في سوريا؟ هل يمثل عودة لجماعات الإسلام السياسي في الدول العربية؟

‏ وصول الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، الإسلامية المتطرفة إلى الحكم في سوريا معناه أن سوريا قد طوت تلك الصفحة الكبيرة من التاريخ المجتمعات الإسلامية وهي صفحة النهضة وما أنجزته من إصلاحات وحققته في ميدان الحقوق و الحريات وعادت إلى زمن ما قبل النهضة أي ما قبل الحداثة و ما قبل القرن التاسع عشر. عملية العودة إلى الماضي التي أرادها المسلمون المحافظون المتطرفون إبتداء من نهاية النصف الأول من القرن العشرين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين لم ينجو منها أي مجتمع إسلامي. لم يكن هدفها وضع حد لحركة النهضة فقط وإنما محو كل منجزاتها وكأنها لم تحدث. وما يحدث اليوم في الدول الإسلامية دليل على نجاح مشروعهم. و لقد خصصت بحثا في هذا الموضوع للدول المغاربية الثلاثة: تونس والجزائر والمغرب متوفر أيضا بالانجليزية والعربية (https://www.razika-adnani.com/ouvrages/maghreb/#more-26902)

ما يحدث في سوريا هو أكيد وصول للإسلام السياسي في صورته الأكثر تطرفا إلى السلطة. على الرغم من أن الجولاني يقول أنه تغير فهناك علامات تدل على أن ما غيره هو طريقة لباسه و ليس فهمه و تطبيقه للإسلام و للسياسة. ولها اختياره الجامع الأمويين لإلقاء خطابه الأولى عند وصوله إلى دمشق كرئيس جديد للبلد أعطى العالم أجمع دليلاً لا لبس فيه على نواياه في تطبيق إسلام سياسي متشدد.

لأنه بهذا الاختيار يجدد عهد الخلفاء والأمراء الذين كان يتم تنصيبهم في الحكم ومبايعتهم في المسجد ويؤكد على رغبته في إبعاد النساء من السياسة وميدان اتخاذ القرارات، ما دام رجال الدين قد قرروا منع النساء من قاعة الصلاة. لم تحضر النساء خطبته التي كانت للرجال فقط. ويؤكد كذلك على إبعاد الأقليات الدينية بما في ذلك المسلمين الذين ليسوا من السنة. اختيار المسجد هو قرار سياسي يضع سوريا بعيدًا عما أنجزته في عصر النهضة من تحديث للدولة وبعيدا جدًا عن دستور 1930 الذي ينص في مادته 6 على أنه لا يجوز أي تمييز في المعاملة بينهم (أي بين السوريين) على أساس الدين أو العقيدة أو العرق أو اللغة” ما عدا طبعا بين الرجل والمرأة.  رئيس الحكومة الجديد محمد البشير، الذي عينه الجولاني، قام بإلقاء خطبة في المسجد يوم الجمعة وهي علامة أخرى على مسح كل الحدود التي تفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني في سياسة هيئة تحرير الشام. ملاحظة أخرى تتعلق بحكومة الجولاني التي ليس فيها امرأة واحدة أي أن نصف المجتمع السوري، أي النساء، ليس ممثلا في الحكومة السورية الجديدة. الموقف السلبي من المرأة والرغبة التي في بعاد النساء من الحياة السياسية بالإضافة إلى قوانين التمييز الجنسي الأخرى هي نقطة التي تجمع بين كل الإسلاميين.

هل من الممكن في ظل الظروف الحالية أن يعود تنظيم داعش ويسيطر على أماكن متعددة من جديد؟

 تنظيم داعش عاد في سوريا ولا يهم الاسم الذي يطلقه على نفسه. وإن ما نلاحظه اليوم أن الكثير من التنظيمات الداعشية، تشجعها ما حدث في سوريا وأفغانستان، بدأت تتحرك على شبكات التواصل الاجتماعي في الكثير من الدول. وممكن جدا في الظروف الجيوسياسية للعالم اليوم أن تصل إلى السلطة في بعض الأماكن الأخرى إذا لم تكن الشعوب واعية بأكاذيب خطابها وخاصة بما تمثله من مخاطر لمستقبل المجتمعات وبحقوق الأفراد خاصة النساء لأنهن الشريحة الاجتماعية الأولي التي يهددها الإسلاميين المتطرفين. مثلما قلت في كتابي الأخير: “الخروج من الإسلامية” أو الإسلام السياسي لا يكون إلا بوعي الأفراد وبتسلحهم بالمعرفة. معرفة أن غاية هذه الجماعات، التي تريد العودة بالمجتمعات الإسلامية ما قبل عصر النهضة، هي عودة إلى زمن التخلف والتخلف معناه الضعف. الوعي بأن الحركات الإسلامية تمارس السياسة ليس من أجل صالح الأفراد والدولة ولكن من أجل إرضاء الله أو ما تعتقد أنه يرضي الله وهو انحراف للدولة عن وضيفتها. والدولة التي تنحرف عن وضيفتها ليست في صالح الأفراد والمجتمع. أكيد أن المجتمع الذي يمنع النساء، نصف أفراده، من التعلم والعمل أي المساهمة في الإنتاج يسبب لنفسه الفقر والدولة الفقيرة لا يمكنها الدفاع على نفسها ضد الأطماع الخارجية. معرفة أن حركة النهضة قامت في القرن التاسع عشر لأن المفكرون والسياسيون أرادوا إخراج مجتمعاتهم من التخلف الذي كانت فيه مقارنة بما وصلت إليه الحضارة العصرية. الضعف هو الذي جعلها أطماعا للغير وأوقعها تحت الاستعمار. لن يكون الاستعمار هذه المرة فرنسا و إنجلترا ولكن الصين والهند والروس والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.

وما هي الأسباب التي أدت إلى عودة جماعات الإسلام السياسي إلى الساحة السياسية مرة أخرى؟

إن جماعات الإسلام السياسي لم تعد إلى الساحة السياسية مرة أخرى سبب واحد أنها لم تغادرها وإن كانت فد ضعفت في فترة النهضة مع مشروع تحديث تنظيم الدولة. ما نشاهده اليوم هو عودة الإسلام السياسي إلى قوته واستلاء بعض الجماعات التي تمارس الإسلام السياسي المتطرف على السلطة مرة أخرى بعد وصولها قبل ذلك في مصر وتونس والمغرب وإن كانت طريقة الوصول كانت مختلفة أي أنها وصلت عن طريق الاقتراع وليس السلاح مثلما حدث في أفغانستان وسوريا اليوم.

الإسلام السياسي هو الإسلام الذي يمارس السياسة والسياسة التي تستمد مشروعيتها بل حتى القوانين التي تنظم بها الدولة من الدين.  ما مكن الإسلاميين من تضييق الفصل بين الدين والسياسة ووصول جماعات الإسلام السياسي المتطرف إلى السلطة هي التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم اليوم وخاصة في الشرق الأوسط وكذلك ضعف الغرب الذي لم يعد قادرا على الدفاع على حقوق الإنسان وحقوق النساء والأطفال خاصة. عودة الطالبان إلى الحكم واعتراف الكثير من الدول بدولتهم رغم أنها لا تحترم حقوق الإنسان الأساسية شجع أيضا الكثير من الإسلاميين المتطرفين على تكثيف نشاطهم السياسي معتقدين أنهم ليسوا بعيدين عن هدفهم الذي يتمثل في فرض فهمهم وتصورهم وتطبيقهم للدين ليس فقط على كل المسلمين وإنما على كل البشرية.

كذلك كون جماعة الإخوان المسلمين تحضي بتجربة كبيرة في ميدان النشاط السياسي ضف إلى ذلك ما تتمتع به من التدعيم المالي من طرف بعض الدول الغنية كقطر التي تنشر هي أيضا الوهابية في المجتمعات الإسلامية. فشل الأنظمة التي حكمت الدول الإسلامية بشكل عام في أن تقيم دول ديمقراطية تحترم الحريات وتحقق العدالة بين الأفراد. مما يجعل الشعوب في هذه المجتمعات في غليان مستمر وتعاني من الشعور بالظلم مما يولد لديها عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي وسياسي من جهة ومن جهة أخرى الاعتقاد الكثير من أفرادها أن الإسلاميين سيخلصونهم من ظلم حكامها كالأسد في سوريا. 

كيف ترين الدور المصري في مواجهة جماعات الإسلام السياسي؟

‏مصر هي نقطة انطلاق النهضة في بداية القرن التاسع عشر وهي أيضا نقطة انطلاقة التراجع إلى الماضي مع ظهور حركة الإخوان المسلمين أكبر حركة إسلامية سلفية في العصر الحديث التي تهدد مصر وكل العالم الإسلامي. تدخل السيسي لإبعاد الإخوان من الحكم في سنة 2013 كان ضروري لإنقاذ مصر والشعب المصري من هذيان الإخوان الخطير والإسلاميين الذين همهم ليس تطوير البلاد و لكن حجز مكانتهم في الجنة. الإسلاميون هم أكثر الناس أنانية. ولكن محاربة الإخوان لا يعني نهاية الإسلام السياسي لأن هذا الأخير ليس متوقفا على اخوان المسلمين مثلما يدعي الكثير من الجامعيين الفرنسيين. نهاية الإسلام السياسي لا تكون إلا إذا تخلى الإسلام عن بعده السياسي أي إذا أصبح الإسلام دينا فقط وليس سياسة. بتعبير آخر إذا حدث فصل بين السياسة والدين وهو ما يتطلب   عمل داخل الإسلام نفسه.

هل من الممكن أن تشهد سوريا حربًا أهلية وانقسامات بعد سيطرة الهيئة على الحكم؟

‏ممكن أن تدخل سوريا في حرب أهلية ما دام تتكون كمجتمع من جماعات إسلامية كثيرة طوائف مختلفة وليس هناك ثقافة ديمقراطية تجعل الكل يخضع لاختيار الأغلبية. لكن ما هو مؤكد أن سوريا وقعت تحت سيطرة الإسلام داعشي اللاإنساني مع وصول الهيئة إلى الحكم والجولاني مثلما قلت أعطى علامات كثيرة لا تترك مجالاً للشك في نواياه الإسلامية الأصولية.

وهل من الممكن أن يشهد العراق واليمن والسودان سيطرة هذه الجماعات؟

‏اليوم يمكن أن نقول أن كل دول الإسلامية وقعت تحت سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة مع اختلاف في درجة تطرفها. مثلما أشرحه في كتابي الأخير. الإسلام السياسي المتطرف هو في الصعود المستمر في العالم الإسلامي مهددا إياه بالعودة إلى الماضي الذي لا يعرف ‏لا حقوق الإنسان ولا مساواة بين الأفراد خاصة بين المرأة والرجل ولا حرية فردية رغم أن الآية 105 من صورة المائدة تأكد عليها ولكن رجال الدين نسخوا هذه الآية.

هل من الممكن أن تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة وحركة طالبان؟

‏ تحول سوريا إلى أفغانستان جديد ليس فيه أي شك. الغربيون فقط هم الذين يبحثون عن شيء إيجابي عند الجولاني يقنعون به أنفسهم أنه ليس سلفيا متطرفا ويواسون به أنفسهم على عدم قدرتهم على الدفاع على حقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل مثلما كانوا يفعلون في نهاية القرن العشرين وبداية القرن العشرين.  ‏أقول هذا لأن العبودية مثلا ألغيت في المجتمعات الإسلامية بفضل نشاط الغربيين المعارضين لهذه العادة القديمة السيئة التي هي جريمة في حق الإنسانية. الطالبانية لا توجد إلا في أفغانستان وإنما في كل الدول الإسلامية.

هل ترين أن هناك علاقة بين ما حدث في سوريا وما يحدث في غزة الآن؟

‏أكيد أن هناك علاقة بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في غزة بل الوضعية الجيوسياسية في الشرق الاوسط تبين أن ما يحدث في سوريا هو امتداد لما يحدث في غزة. لا يجب أن يغفل علينا أن الأسد كان عدو مشترك للجولاني وجماعته وكذلك لإسرائيل بصفته حليف إيران. الحرب بين إيران وإسرائيل أضعف إيران وبالتالي أفقد بشار الأسد سنده في المنطقة مما سهل على الجولاني إسقاطه والسيطرة على الحكم.

وهناك احتمال أن تكون إسرائيل قد ساعدت الجولاني في استلائه على الحكم في سوريا. فإسرائيل مثل كل الدول ما يحركها هو منفعتها الداخلية والخارجية وهي تستفيد من كل ما يحدث في المنطقة من الحروب وعدم الاستقرار السياسي الذي يتسبب فيه الإسلام السياسي في سوريا وفي غزة. لذلك فالإسلام السياسي ليس في صالح الدول الإسلامية من الناجية الجيوسياسية أيضا.

هل ما زالت جماعة الإخوان المسلمين موجودة وهل ما زالت تتمتع بنفوذها السابق لزعزعة الاستقرار في العالم العربي؟

‏مثل ما قلت في كتاب الاخير “الخروج من الإسلاموية” لم يبلغ الإسلام السياسي في كل تاريخه  القوة والقرب من هدفه اللذان يعرفهما في بداية القرن الواحد والعشرين هذا. خاصة حركة الإخوان المسلمين التي تتمتع اليوم بنفوذ كبير في العالم العربي وفي المغرب الكبير.

ما هي مخاطر جماعات الإسلام السياسي على الدول الغربية؟

‏الإسلام السياسي يمثل مشكلة كبيرة في الغرب لأنه يهدد مباشرة الحضارة الغربية وما انتجته من قيم إنسانية ما دام الإسلام السياسي المتطرف لا يعترف إلا بالماضي ويعتبر أن التاريخ بدأ في القرن السابع وانتهى القون السابع. الإسلام السياسي يغذي أيضا اليمين المتطرف في الغرب مما يشكل خطرا على المسلمين الذين لا يريدون إلا العيش في سلام.

كيف يمكن وقف تمدد هذه الجماعات في الدول العربية التي يعاني بعضها أصلاً من ظروف اقتصادية وسياسية صعبة؟

‏الإسلام السياسي أو إسلام الشريعة مثلما أسميه في كتابي هو إسلام متكون من بعدين : الأول ديني والثاني قانوني سياسي. منطقيا نهاية الإسلام السياسي لا يكون إلا إذا أصبح الإسلام ليس سياسيا أي إذا تخلص من بعده السياسي أي من الشريعة كقوانين لتنظيم المجتمع. يصبح دين فقط أي يهتم فقط بما يتعلق بعلاقة المسلم بربه وتكون سياسة سياسة فقط أي لا تهتم بإرضاء الله أو ورجال الدين وإنما بالاستجابة لمتطلبات الأفراد وتحقيق مصالحهم الاقتصادية والسياسية.

لذلك فالإسلام السياسي سواء كان متطرفا أو غير متطرف لا يمكن وقفه إلا بالفصل بين الإسلام والسياسة أو الإسلام والشريعة كقوانين لتنظم المجتمع. لذلك أقول دائما أن نهاية الإسلام السياسي لا يكون إلا بعمل داخل الإسلام لكي يكون الإسلام ودين فقط. هكذا فقط يمكن أن نخلص المجتمعات الإسلامية من الإسلام السياسي.  الفترة الوحيدة التي ‏عرفت المجتمعات الإسلامية نوع من التخفيف بين الخلط بين السياسة والدين دون الفصل التام بينهما كان في بداية القرن العشرين.

فصل الإسلام من جزئه السياسي يتطلب شجاعة كبيرة من طرف السياسيين والمتدينين. من طرف المتدينين لأن هذا يعني أنهم يتخلون عند السلطة السياسية وهذا ما لا يقبلونه بسهولة لأن الإنسان يحب السلطة والتحكم في الغير. شجاعة من طرف السياسيين لأن ذلك يعني أنهم لن يختفوا وراء الله لتبرير أخطائهم وإنما يتحملون مسؤوليتها أمام الشعب. وهو ما يحدث بالنسبة مثلا للقوانين التمييزية في حق المرأة التي يدعون آن الله هو الذي أرادها لكي لا يتحملون مسؤولية الظلم الذي تسببه للنساء.

ما رأيكم في كون جماعة الإخوان المسلمين هي أم كل جماعات الإسلام السياسي، وبماذا تختلف عن طالبان والقاعدة وهيئة تحرير الشام؟

جماعة الإخوان المسلمين ليست أم كل جماعات الإسلام السياسي. فتاريخ المسلمين يبين أنه عرف جماعات كثيرة للإسلام السياسي والبعض منها كانت عنيفة جدا كالخوارج. لم يبدأ الإسلام السياسي في القرن العشرين ولا مع الإخوان المسلمين مثلما قرر ت ذلك المدرسة الفرنسية مثلما أشرح ذلك في كتابي الأخير(1). لا يختلف الإسلام السياسي من جماعة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى إلا من حيث الدرجة. درجة تطبيق الشريعة وكذلك طابعها السلفي. كل الدول الإسلامية تطبق الإسلام السياسي ما دامت لا تفصل بين الإسلام والسياسة لكنها تختلف عن الإسلام السياسي الذي يريد الطالبان فرضه على الشعب الأفغاني خاصة النساء أو الذي تريده القاعدة. أما عن الجماعات كالإخوان والطالبان والقاعدة وهيئة التحرير فيمكن التعرف عليها بكونها كلها أول ما تعلن عنه لما تصل إلى السلطة هي حرمان النساء من حقوقهن ابتداء من فرض الحجاب الذي هو سلاح الإسلاميين وأولهم إخوان المسلمين. لذلك يتعين علينا أن نتوقع من هيئة تحرير الشام في سوريا ، مثل الطالبان، ، إعلانات عن قوانين جديدة تحرم النساء و الفتيات من الحقوق التي تحصلن عليها في النصف الأول من القرن العشر ين كتلك التي تسجن النساء في البيوت وتزوج الفتيات في سن التاسعة.

(1) Sortir de l’islamisme, Erick Bonnier, décembre 2024.

© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *