رزيقة عدناني ـ في زمن الكرونا، الشرطة توزع القرآن على الطاقم الطبي



© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Lire le texte en français publié dans le quotidien Liberté النسخة الآصلية باللغة الفرنسية

يواجه العالم فيروس كورونا الذي تسبب في أزمة صحية عالمية لم يعرف لها مثيل من قبل. في هذه الظروف الصحية الصعبة قامت الشرطة الجزائرية أثناء زيارتها لأحد المستشفيات بتوزع نسخًا من القرآن على الطاقم الطبي تشجيعا لهم.

ما دامت الشرطة مؤسسة حكومية، فإن الدولة في هذه الحالة هي التي قامت بهذا التوزيع وهو ما يظهر الدولة وهي مهتمة بمعتقدات المواطنين وحياتهم الروحية. وهو مما ليس له علاقة بوظيفتها.  مهمة الدولة هي إدارة شؤون المجتمع والسهر على توفير حاجيات الأفراد من العمل والعيش والتربية والثقافة والأمن والصحة ووسائل الحصول على المعرفة والتشجيع على البحث العلمي. أما حياتهم الروحية وعلاقتهم بالله، فهي تدخل ضمن أمورهم الخاصة. حقيقة أن الدولة الجزائرية مثل جارتيها لم تنفصل السياسة عن الدين وذلك منذ الاستقلال. غير أن هذا التوزيع للقرآن يكشف عن تشابك كبير لا مثيل له بين السياسية والدين يعبر عن انحراف خطير في وظيفة الحكومة وتراجع كبير في المفهوم الحديث للدولة.

يثير هذا التوزيع العديد من الأسئلة التي تتعلق بالمقدس والتعامل معه، بالإنسان وكرامته، وبمكانة العلم والدين في المجتمع الجزائري وهو ما يمكن تعميمه على كل المجتمعات التي يغلب عليها طابع الثقاف الإسلامي.

القرآن هو الكتاب المقدس بالنسبة للمسلمين. مكانة المقدس وما يعنيه للشخص يمنع أن يهدى مثل أي شيء عادي.

أقول المقدس لأن القرآن هو الكتاب المقدس بالنسبة للمسلمين. مكانة المقدس وما يعنيه للشخص يمنع أن يهدى مثل أي شيء عادي بل من المفروض أن يقوم بالاحتياطات كثيرة قبل الشروع في ذلك.  كيف لا ونحن نفعل ذلك عندما نكون على وشك تقديم هدية لشخص ما، كهدية عيد ميلاد مثلا.  نتساءل كثيرا عن أذواقه. لا نريد أن نمنحه ما لا يرغب فيه ولا نريد أن تنتهي هديتنا في سلة المهملات بمجرد أن نغادر المكان. عندما يتعلق الأمر بالشيء المقدس، يجب أن نكون حارصين أكثر وذلك احتراما لصفة القداسة التي يحملها الشيء في ذاته. لذلك فعندما يريد شخص أن يهدي القرآن لشخص آخر من المفروض أن يتأكد أنه لا نضعه بين يدي شخص لا يعامله على هذا النحو لأنه لا يعتبر مقدسا بالنسبة له.

في زمن الكرونا، الشرطة يوزعون القرآن على عدناني رزيقة ـ الطاقم الطبي

تقديم المصحف كهدية لشخص ما يتطلب الكثير من التفكير من أجل الإنسان أيضا.  من المفروض أن نتأكد قبل أن نقدم على مثل هذا الفعل من معتقدات الشخص احتراما له ولمشاعره ولحريته الدينية.

تقديم المصحف كهدية لشخص ما يتطلب الكثير من التفكير من أجل الإنسان أيضا.  من المفروض أن نتأكد قبل أن نقدم على مثل هذا الفعل من معتقدات الشخص احتراما له ولمشاعره ولحريته الدينية. يجب آن نتأكد مثلا أنه مسلم أو يرغب في اعتناق الإسلام، أو على الأقل أنه يرغب في ذلك لأنه باحث في مجال الإسلام. لمعرفة مثل هذه التفاصيل عن حياة أي شخص يجب أن تكون هناك علاقة وثيقة تربطنا به. وهو ما يغيب تماما في الحالة التي تأتي فيها الشرطة إلى مكان العمل لتهدي القرآن للعمال. لهذا ما حدث في هذا الحفل له تفسير واحد.  الذين قرروا توزيع المصحف على الطاقم الطبي تصرفوا على أساس أن كل الجزائريين مسلمين. وبعبارة أخرى، فهم لا يعترفون بحق الجزائري في ألا يكون مسلمًا أو أن يكون له دين آخر أو ألا يكون له أي دين على الإطلاق. اعتبار كل الجزائريين مسلمين يدل على عدم احترام حرية المعتقد للأفراد وغياب كلي للتسامح الديني. هؤلاء يتصرفون على حسب قاعدة ” ما دمت جزائري فأنا أتعامل معك على أساس أنك مسلم وواجبك أن تقبل ذلك”. هذا السلوك أقل ما يوصف أنه عنف رمزي ضد الشخص الذي يؤمن بدين آخر أو ليس له دين خاصة عندما يكون في موقف لا يسمح له برفض الهدية. ماذا لو في حالة من الغضب، لأن حرية معتقده لم تحترم، ألقى به على الأرض وداسه برجليه أو مزقه وأحرقه؟  كيف نفسر مثل هذا السلوك خاصة وأن عادة تقديم القرآن كهدية دون أي احتياط أو اعتبار لمعتقداتهم بدأت تتفشى في المجتمع الجزائري؟  السبب أن الدين أصبح وسيلة لاكتساب مكانة اجتماعية وسلطة سياسية بدل أن يكون وحياة روحية وتجربة شخصية يعيشها الإنسان بكل حرية. لذلك لابد أن امتلاك المصحف ناتج عن إرادة ورغبة شخصية وليس شيء يفرضه المجتمع أو الجماعة على الفرد.

 لقد أصبح الدين وسيلة لاكتساب مكانة اجتماعية وسلطة سياسية بدل أن يكون حياة روحية وتجربة شخصية يعيشها الإنسان بكل حرية.

هناك الكثير من الجزائريين الذين عبروا عن غضبهم إزاء توزيع المصحف في المستشفى ووصفوه بأنه سخيف. لكنهم برروا موقفهم بقولهم أن المستشفى يحتاج إلى معدات طبية و أضافوا ، مثل الصحفي عبدو سمار، أن جميع الأطباء مسلمين و ليسوا في حاجة إلى مصحف ما دام كل العائلات الجزائرية تملك عدة مصاحف في البيت. ومنه نستنتج أن الدولة ليست هي فقط من تعتبر أن كون الإنسان جزائري مرادفا لكونه مسلما وإنما الشعب أيضا. هذا التصور لغالبية الجزائريين لمجتمعهم، على أساس أن كل أفراده مسلمين لا يتناسب مع حقيقة الواقعية للمجتمع الجزائري الذي يوجد فيه مسيحيون ويهود وملحدون. ولا يمكن أن يدعي عكس هذا إلا من يجهل أو يتجاهل واقع هذا البلد. هذا من جهة ومن جهة أخرى فهذا التصور يكشف عن صعوبة انتقال الجزائريين من مرحلة المجتمع القبلي المغلق إلى المجتمع المفتوح الذي يقبل التعدد. أي من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحداثي. أما عن مكانة العلم والدين، فإن توزيع القرآن في أحضان المستشفى على فريق طبي الذي يستقبله في خشوع تام يكشف عن الدرجة الكبيرة لتدخل الدين في جميع ميادين الحياة الاجتماعية بما فيها المستشفى و تفوق الخطاب الديني على العقل العلمي اللتجريبي.

إن المستشفى هو مجال الطب. يعالج الطب الأمراض بمعرفة أسبابها الفاعلة الموجودة في الطبيعة وليس بالتفسيرات الإلهية أو بالظواهر الغيبية والخرافية. لذلك لا يحتاج الطبيب للقيام بوظيفته إلى المصحف بل إلى آلات ومواد كيميائية ومعرفة علمية. عندما يسمح الطبيب بتدخل الدين في المستشفى، فهذه علامة على أنه فعل كلما في وسعه وأنه لم يبق للمريض سوى الدعاء. لا أعتقد أن هذا هو الخطاب الذي أرادت الدولة و لا الأطباء، الذين تسلموا الهدية في ذلك الخشوع الكبير، إرساله للشعب.

إن المستشفى هو مجال الطب. يعالج الطب الأمراض بمعرفة أسبابها الفاعلة الموجودة في الطبيعة وليس بالتفسيرات الإلهية أو بالظواهر الغيبية والخرافية.

عدناني رزيقة.

https://www.razika-adnani.com/الجزائر-بؤس-المرأة-ومأساة-الرجل-algerie-le-malheu/
© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *