تناقضات في تناول أحكام الميراث



© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.
2011 تناقضات في تناول أحكام الميراث – مقطع من كتاب رزيقة عدناني، تعطيل العقل في الفكر الإسلامي ، إفريقيا الشرق ، المغرب

‏ليس المستشرقون هم فقط من ينتقدون التوزيع المتفاوت للميراث بين المرأة و الرجل و يعتبرونه غير عادل مثلما نقرأ على سؤال البكالوريا الجزائرية‏ لسنة 2023 مادة” العلوم الإسلامية” وإنما الكثير من المسلمين اعتقادا أو ثقافة كالرئيس التونسي السابق الباجي قائد السببسي الذي وضع مشروع قانون للمساواة في توزيع الميراث بين الرجل و المرأة. كل الحجج التي يقدمها التيار الديني الاصولي المحافظ من أجل التمسك بهذا التوزيع الغير العادل لمال الأسرة غير مقنعة وقابلة للنقد لما تتضمنه من تناقضات مع الواقع، مع المنطق وحتى مع اهداف الدين مثلما يؤكد عليها الخطاب الديني نفسه. رزيقة عدناني

مقطع من كتاب رزيقة عدناني، تعطيل العقل في الفكر الإسلامي، إفريقيا الشرق ، المغرب 2011

“دلت الدراسات الاجتماعية الحديثة في كل الدول، أن المرأة في خضم التطورات الاقتصادية الحديثة التي يعرفها العالم، تعاني من صعوبات اجتماعية واقتصادية ونفسية كثيرة نتيجة لتعرضها للفقر بنسبة عالية مقارنة بالرجل. مما جعل علماء الاجتماع المعاصرين يتحدثون عن ظهور ما يسمونه بظاهرة تأنيث الفقر التي تنتشر في العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص. تذكر خديجة صبار في كتابها «الإسلام والمرأة واقع وآفاق» (طبعة 1992) صور واقعية لحالات مأساوية لأمهات مطلقات في المغرب، وانعكاسات تلك الأوضاع المساوية على حياتهن النفسية وحياة أطفالهن، وسلوكهن وأخلاقهن، وسلوك أطفالهن .[…]وأخلاقهم

وهكذا فالفقر وقلة المورد، وتحمل المسؤولية المالية كلها أسباب تجعل حاجة المرأة اليوم إلى المال تزداد. مع العلم أن المرأة لا تتحمل المسؤولية المالية في حالة الطلاق والترمل فقط، وإنما في حالة الحياة الزوجية أيضا. لأن الظروف الاقتصادية الحالية الصعبة جعلت المرأة لا تستطيع أن تمكث في هامش الشغل وميدانه. لقد اضطرت لمواجهتها أن تضم مجهودها إلى مجهود زوجها من أجل تلبية حاجات الأسرة والأطفال. وإذا ما اختارت البقاء في البيت، فإن ذلك لا يعني عدم مسؤوليتها المالية، وإنما هو تعبير عن تلك المسؤولية المالية بأتم معنى الكلمة، لما يوفره بقاؤها في البيت للأسرة من مصاريف دور الحضانة ومنظفات المنازل. وبالتالي لم يعد ينظر اليوم إلى راتب الزوج كماله الخاص الذي ينفقه على زوجته، وإنما مال الأسرة الذي شاركت فيه المرأة بعملها في البيت وعنايتها بالأطفال وبالزوج أيضا. وخلاصة الكلام: إن الظروف الاقتصادية الاجتماعية والقيم الأخلاقية والفلسفية قد جعلت المرأة اليوم مسؤولة ماديا أو ماليا عن أسرتها ونفسها. وبتعبير نوال السعداوي: “جعلتها لا تُعال وإنما تعول”.

لذلك فالتوزيع المتفاوت للميراث بين المرأة والرجل، لا يساعد المرأة على مواجهة صعوبات الحياة ومخالب الفقر الذي يتربص بها وكذلك بأطفالها إذا كانت أما. حقيقة أن الغنى يحصل بالعمل وبذل المجهود، لكن الميراث يجعله ينتقل من جيل إلى جيل. لذلك فحصول المرأة على نصف نصيب الرجل في الميراث، معناه حصولها على نصف حظ الرجل في الكسب المادي والغنى. مما يضعف احتمال وقوعها في الفقر مرتين مقارنة بالرجل. وإذا كان علماء الدين قد حددوا المصلحة في كل ما يمكن الإنسان من صيانة عرضه والحفاظ على صحته ودينه وكرامته، وشرفه، فإن الحالات التي يصعب فيها على الإنسان أن يحافظ على دينه وصحته وكرامته و شرفه هي حالات الفقر حين يقع الإنسان في مخالبه.

وبهذا فإن التمسك بحكم التفاوت في الميراث في الظروف الصعبة التي تعيشها المرأة اليوم، يتناقض مع القاعدة التشريعية التي تقول أن الغاية في التشريع هي جلب المصلحة ودفع الضرر، ويتناقض مع العقل لأنه إذا كان هذا التقسيم الغير العادل سببه( حسب الخطاب الديني )هو عدم مسؤولية المرأة المالية، فإن مسؤوليتها المالية اليوم هي حقيقة أكثر مما مضى.

رزيقة عدناني

© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *