« رزيقة عدناني « لا شيء يمنع المسلمين من الاحتفال ب »نوال » عيد ميلاد المسيح عيسى



© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Lire le texte en français

لا يوجد أي شيء يمنع من الناحية الدينية المسلمين من الاحتفال ب »نوال »، أي بميلاد المسيح عيسى، مثلما يحتفلون با »لمولد »، أي ميلاد محمد نبي الإسلام. يُقرّ القرآن الكريم، وهو النص الأساسي للإسلام، بعيسى كنبيٍّ عظيم. والدليل على ذلك هو ذكر اسمه، عيسى، 25 مرة، وذكره أيضا، في آيات عديدة،  بصفته المسيح أو ابن مريم التي ذُكرت هي أيضا في القرآن و ذلك 34 مرة. ومريم هي المرأة الوحيدة التي ذُكر اسمها في القرآن. وبحسب آيات قرآنية عديدة، فإن عيسى هو نتاج حملٍ إعجازي. فهو ليس بشراً كغيره من البشر، إذ لم يُولد من رجل وامرأة بل خلقه الله بنفخ الروح القدس داخل جسم مريم. تقول الآية 12 من سورة التحريم 66: وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا » .   » وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ   » تقول كذلك الآية 87 من سورة البقرة:

 مما يدل على المكانة الرفيعة التي يوليها القرآن لعيسى، وبالتالي للدين المسيحي. ففي القرآن، يُعتبر عيسى وموسى، الذي ذُكر اسمه 130 مرة، من الأنبياء المختارين. تقول الآية 253 من سورة البقرة: «  تلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ . »ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ « .

حسب العقيدة الإسلامية، كما أقرّ ذلك علماء الدين، من أركان الإيمان الإيمان بالله وبرسله وبكتبه السماوية (التوراة والإنجيل والقرآن)، وذلك وفقًا للقرآن الذي يقول: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ… »  (الآية 136 من سورة البقرة).  »  فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَُسُولِهِ   » تقول الآية 171 من سورة النساء. ولذلك، فإنّ الاحتفال بمولد عيسى ليس مجرد مناسبة لمشاركة المسيحيين احتفالهم، بل هو أيضًا مناسبة للاحتفال بمولد نبيٍّ يؤمن به المسلمون.  

ومع ذلك، فكل عام يدّعي المسلمون المتطرفون والأصوليون أن الاحتفال بعيد الميلاد « نوال » محظور على المسلمين باسم الإسلام، بل وحتى تهنئة المسيحيين به. ولتبرير موقفهم، يستندون إلى أقوال كتب رجال الدين الذين عاشوا قبل قرون، مثل السوري ابنُ القيم الجوزية (1292-1350)، والمصري ابن حجر الهيتمي (1504-1567)، والتركي ابن تيمية (1269-1328).

كتب ابنُ القيم الجوزية في كتابه « أحكام أهل الذمة »:  » وأما ‌التهنئة ‌بشعائر ‌الكفر -المختصة به- فحرامٌ بالاتفاق، مثل أنْ يُهنِّئهم بأعيادهم وصومهم ».  أما ابن حجر الهيتمي (1504-1567)، فقد ذكر في كتابه « الفتاوى الكبرى » أن «  أَقْبَحِ الْبِدَعِ مُوَافَقَةُ الْمُسْلِمِينَ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ بِالتَّشَبُّهِ بِأَكْلِهِمْ وَالْهَدِيَّةِ لَهُمْ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِمْ فِيهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ اعْتِنَاءً بِذَلِكَ الْمِصْرِيُّونَ ».

لكن إجماع علماء الدين هو إجماع بشر لا يملكون الحقيقة المطلقة. فبحسب المبدأ التأسيسي الأول للإسلام، وهو وحدانية الله، مهما كان كلام البشر، فلن يضاهي كلام الله، الكائن الكامل الوحيد. وبالتالي إذا كانت هناك آيات تنفي فكرة الثالوث، لا يوجد في القرآن ما يوكد على منع المسلمين من الاحتفال بميلاد عيسى أو المشاركة في الأعياد المسيحية واليهودية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون كلمات الرجال الدين أصدق من القرآن.

في كتابه  » مخالفة أهل الجهيم »، يستند ابن تيمية إلى حديثٍ يُنسب إلى النبي محمد قوله: «من تشبّه بقومً فهو منهم « . إلا أن هذا الحديث لا يمنع الاحتفال بمولد عيسى أو موسى، ولا تهنئة المسيحيين واليهود بأعيادهم. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الأحاديث وردت في كتبٍ كتبها رجالٌ بعد وفاة النبي محمد بـ 150 عامًا. يدعم ابن تيمية موقفه بتفاسير لآياتٍ قرآنيةٍ أخرى تتهم المسيحيين بعدم احترام ما أرسل إليهم، لكنها لا تمنع المسلمين بأي حالٍ من الأحوال من الاحتفال بمولد عيسى.

لا يمكن للمسلمين الاستمرار في الاعتماد على فتاوى رجال دين عاشوا قبل قرون، ووضعوا قوانين لأهل الذمة، مما يثبت اختلاف قيمهم عن قيمنا. ومن الجدير بالذكر أن الآية الخامسة من سورة المائدة (سورة المائدة) تُجيز للمسلمين طعام أهل الكتاب،أي المسيحيون واليهود. فإذا كان بإمكان المسلمين تناول طعامهم، فلماذا لا يُمنع عليهم الاحتفال بأعيادهم؟

 والخلاصة ما يقوله الهيتمي أنها يشكل عنصرًا تاريخيًا هامًا، إذ يكشف أن المسلمين في مصر في القرن السادس عشر كانوا يشاركون المسيحيين في احتفالاتهم، وأن علاقات الأخوة كانت قائمة بين الطائفتين، حتى أنهم كانوا يتبادلون الهدايا؛ و كان الهيتمي و الذي ليس إلا بشر بل رجل دين متطرف، يرى ذلك بدعة.

 ختامًا، لا يقتصر مطلب المتشددين على حظر الاحتفال بعيد الميلاد فحسب، بل يشمل أيضًا حظر مولد محمد نبي الإسلام. و مع ذلك وجدت في السنوات الأخيرة شجرة الميلاد « سبان » مكانتها في معظم المجتمعات الإسلامية واكتسبت شعبية واسعة كرمز احتفالي وخاصة لما تمثله من فرصة تجارية مربحة. ومع ذلك، فإن المكانة البارزة للمسيح عيسي في القرآن الكريم قد ساهمت بلا شك في انتشار هذه العادة.

رزيقة عدناني

© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *